

سحبت فرق الأغلبية و المعارضة مقترح قانون، كانت تقدمت به بإيحاء من الحكومة، يتعلق بالمجلس الوطني للصحافة.
و يخالف المقترح مقتضيات الدستور، من خلال تنصيصه على اعتماد صيغتي تعيين رئيس المجلس من طرف الملك، و انتداب ( عوض انتخاب) ممثلي الصحافيين و الناشرين من طرف الهيئتين الأكثر تمثيلية، عوض التمثيلية النسبية، ما يعني أن لا الصحافيين و لا الناشرين، سيجدون أنفسهم ممثلين من طرف جهة واحدة، حتى و إن لم يكونوا منتمين لها، و هو ما يضرب التعددية في العمق.
والواضح أن الأغلبية والمعارضة، حشرت نفسها في زاوية ضيقية، واختارت آلية مقترح قانون عوض مشروع قانون تتحمل الحكومة مسؤولية إعداده، وذلك هروبا من صرامة الأمانة العامة للحكومة، التي ستبدي ملاحظاتها على المشروع، ولن يمر عليها هذا القفز على مقتضى دستوري ينص على التنظيم الذاتي لمهن الصحافة.
ويعتبر الممارسون، أن الحكومة تريد أن تضع الصحافة في قبضتها سواء من خلال الدعم المالي وطريقة توزيعه، حيث تسير في اتجاه دعم ما تعتبره “مقاولات كبرى”، بهدف قتل ما تعتبره “مقاولات صغرى”، و هي رغبة حكومية تظهر جيدا على مستوى التواصل الحكومي، وتحديد مسالك الإشهار.
كما يرى العديد من المهنيون والناشرون أن مبادرة الحكومة هذه جاءت ضدا في كل نضالاتهم التي عرفها القطاع منذ فتح النقاش حول المطالبة بتعديل القانون 77.00 و ما عرفه من حوارات ونقاشات جهوية ووطنية، وإصلاحات اعتبرتها العديد من الدول دروسا في التنظيم الذاتي الديموقراطي لمهن الصحافة والإعلام، وتأسيسا لمشهد مميز يفصل بين التواصل الحكومي والتواصل المؤسساتي الرسمي وبين العمل المهني الصحفي، من خلال مقاولات مستقلة قوية، جهوية ووطنية حرة أو حزبية، لتشكل قوة إقتراحية تعبر عن الرأي العام وتنتقد بكل مهنية العمل الحكومي.

وكان تزامن هذه النقاشات مع تنزيل دستور المغربي عام 2011، وصدور الكتاب الأبيض الذي شارك فيه المهنيون والمنتسبون والناشرون والأساتذة المختصون في مجال الإعلام والإتصال والقانون الدستوري والتشريع وغيرهم من الأخصائيين… وطرح هذا الكتاب على المؤسسة التشريعية العديد من التوصيات والتعديلات أعقاب إعدادها للقوانين المتعلقة بمهنة الصحافة والنشر وسبل التنظيم الذاتي نزولا عند رغبة المغاربة من خلال دستورهم الجديد، وللتذكير رفع هذا الكتاب الأبيض إلى قبة البرلمان في عهد الأستاذ مصطفى الخلفي وزير الإتصال في عهد حكومة بنكيران بعد نقاش مستفيض، صدرت على إثره مدونة الصحافة والنشر التي ضمت ثلاث قوانين تنظيمية جديدة وهي:
القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر بالمغرب
القانون 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين
القانون 90.13 المتعلق بإحداث المجلس الوطني للصحافة.
طبعا تلك اللحظة التي فتح فيها النقاش حول قانون الصحافة والنشر، اعتبر المهنيون والناشرون، أن تلك الخطوة كانت مهمة للانتقال الديمقراطي السلس بالمغرب،.. زمن التحولات الجيو سياسية المرتبطة بالربيع العربي، الذي أدخل دولا عربية وإقليمية في دوامة الخراب والإنكماش والفتن، تلك اللحظة كانت مهمة بالنسبة للمغرب ليقوم بتنزيل إصلاحات شاملة،.. ويفتح أوراشا كثيرة في مجالات مختلفة، وظل الممارسون لمهنة الصحافة دائما يسعون للمطالبة بمزيد من الإصلاحات لتقوية المشهد الإعلامي والديموقراطي بالمغرب، وليس التراجع عن المكتسبات وقتل المبادرات الخلاقة، التي شكلت صورة إيجابية لمصلحة حرية التعبير والتعددية بالمغرب… ويبقى طموحنا نحن المهنيون وناشري الصحف، -طبقا للقانون الجاري به العمل-، من خلال الإلتفاف حول آليات التنظيم الذاتي والعمل على البناء والإصلاح وتقوية القدرات من خلال الإشراك والتنظيم الذاتي والتكوين المستمر وليست طموحات من يسعون للتراجع نحو المجهول الذي قد يشكل أزمة في حرية التعبير وحرية الصحافة المغربية ويضعف حماية المؤسسات الوطنية والحريات والحقوق.

إعداد يحيى بالي بتصرف.




